كنت في ذلك الوقت متبعة نظام رجيم قاسي لانقاص الزائد من وزني فتحمست منى للفكرة وطلبت مني أن نشجع بعضنا البعض لانقاص وزننا معا حيث أن زوجها أصابها بعقدة لكثرة اخباره لها باستحالة قدرتها علي انقاص وزتها وبدأنا أنا وهي رحلة الرجيم القاسية وكل يوم تخبرني أنها وزنت نفسها وبالفعل نقص وزنها وأنا كذلك وبدأت أحكي لها عن نظام الرجيم الغذائي ماذا تأكل وماذا لا وكانت تنفذ وكانت تحلم باللحظات التي تستطيع فيها ارتداء ملابسها القديمة حينما كانت رشيقة القوام وأصبح موضوع الرجيم محور تفكيرها الوحيد وشعرت أنه أعاد لها حيويتها وتحمسها لحياتها الحزينة وفي كل مرة أذهب فيها لدكتور الرجيم تنتظر عودتي بلهفة لأخبرها كل ماهو جديد واشترت البرشام الموصوف لي وبدأت تنتظم في تناوله وفي يوم ذهبت فيه لمحت في عينيها نظرات لست أدري ان كانت فرح أم حزن الا أنها أخبرتني أنها حامل فوقفت مندهشة حامل؟ فطفلتها الصغيرة لازالت علي يديها ترضع وكبري أطفالها الاربع لم تتجاوز الخمس سنوات وصحتك يا منى؟ ارادة ربنا هكذا قالت فالتزمت الصمت ..وتوقفت منى عن الرجيم بعد أن قطعت فيه شوط لا بأس به و أحضرت مني كل ما عندها من أدوية للرجيم وأعطتني اياها عن طيب خاطر وفي احدي المرات جلست معها هي وحماتها قليلا بعد الدرس لأسألها عن اقتراحهم لاسم المولود فنطلق لسان حماتها ابراهيم علي اسم أخويا المرحوم التزمت مني الصمت فانتقلت بحواري خمسة كفاية يامنى فاذا بلسان حماتها ينطق خمسة اي؟ احنا عاوزين عشرة فاستأذنت وانصرفت وبداخلي حزنا علي هذا الوعاء الحنون الذي ما دخل هذا البيت الا ليحمل أطفالا بدون أن يكن له حق الشكوي أو الألم أو حتي المشاركة في اختيار اسم ناتج الوعاء فالطفل الصغير حامد تم تسميته علي اسم جده المرحوم والطفل القادم علي اسم شقيق حماتها حتي حق اختيار الاسم لم تكن لتملكه وتوالت الايام الي أن جاء شهر مايو وبداية المراجعة النهائية للتلاميذ فانقطعت عن الذهاب اليهم نظرا لضغط بقية الدروس علي وانقطعت أخبارهم عني نهائيا ولكن كثيرا ما كانت تأتي منى في خاطري وحدث أن تم سرقة موبايلي وضاع الخط الذي كان يحمل رقمها ومنذ ذلك الحين لم أعرف عنهم أخبار نهائيا ॥ومرت شهور وشهور ॥وفي يوم دخلت علي أمي لتخبرني أنها سمعت منادي في الشارع يعلن عن وفاة زوجة صاحب المحل التجارى الذى كنت ادرس لبناته فأخبرتها باستحالة ذلك وأنها ربما سمعت خطأ وجاءني يقين أنها والدته وليست زوجته وأخبرتها أن منى كانت حامل ربما والدته المريضة هي التي توفت واخيرا سترتاح منى من معناتها معها ...ولكن في نفس اليوم مساءا جاءني تليفون من احدي صديقاتي تؤكد لي ما قالته لي أمي...نعم..حقا..ماتـــــــتــــ منـــــــــــى.. أصابني الذهول..لم أستطع أن أنطق..وانطلق شريط ذكريات مدته عاما كاملا أمام عيني ..ضحكتها..ابتسامتها..طيبتها..شريط لم يتوقف..تذكرت عزومتها لي في رمضان قبل الماضي علي الافطار ..ترحيبها البالغ بي..اعدادها لاشهي الاطعمة والحلويات بيديها...تذكرت ارتباكها في ذلك اليوم أثناء غرف الطعام مما أدي الي انقلاب اناء الارز منها علي الارض ..و حرجها البالغ أمامي ..الا أنني أخبرتها أن تتصرف علي طبيعتها كلنا اخوات ..ومنذ ذلك اليوم صرنا فعلا أخوات ..تذكرت تجهيزها للمنضدة الصغيرة وتصميمها علي جلوسي عليها أنا وشقيقتها المعزومة معي ..في حين افترشت هي الارض رغم اصرارنا علي مشاركتنا اياها الارض الا أنها رفضت وبشدة.. ماذا أتذكر لكي يامني؟ و ذكراتي معكي لم ولن تنتهي..رحلت منى ..شعرت بوحشة غريبة في قلبي ..رغم انقطاعي عنهم من شهور.. الا أنها لا زالت الي لحظة كتابتي لهذه السطور..تملأ ذاكرتي..سألت نفسي كيف هذا؟ وماذا حدث؟ تمنيت أن أذهب للعزاء..لكنني لم أستطع..لم تجرؤ قدامي علي الذهاب ..لم أتخيل أنني عندما أطرق باب منزلهم ..لن أسمع صوتها الحنون عبر التكتافون..اطلعي يافاطمة...علمت أنها توفت أثناء ولادتها..ام تفق من حقنة التخدير..وهناك أقاويل أن الطبيب المولد لم يقس ضغطها قبل تخديرها..وان الضغط كان منخفض جداا..مما سبب الوفاة السريعة..مرت الايام و في يوم فوجئت بتليفون ...نجــــلاء ...جاءني صوتها الباكي عبر الهاتف...تخبرني أن الاطفال..وبالتحديد نقـاء يريدون رؤيتي..فوعدتها بصوت مختنق أنني سأذهب لزيارتهم في أقرب وقت...و قد كان ..ذهبت..و ليتني ماذهبت..حقا..ربما ذهبت الي قبرها وحيدة..ولكن برحيلها...تركت وراءها خمسة أطفال في قبور حزينة يخيم عليها البؤس والالم .